samedi 26 mars 2011

الوضعية المعاصرة للخطاب الدعوي في غرب أفريقيا

إن الخطاب الدعوي من أهم القضايا التي تشغل بال المسلمين اليوم؛ لما يواجهونه من تحدّيات فكريّة وثقافيّة وماديّة، وتفحّص هذا الأمر يحتاج إلى دراسة مستفيضة لوضعية الخطاب الدعوي المعاصر للوقوف على جوانب الخلل، ومدارسة إشكالياته المعاصرة مع الذات ومع الآخر. وإن الظروف الحضارية السائدة، والمعطّيات الواقعيّة تستدعي النهوض بالخطاب الدعوي ليلحق بأدوات العصر، وليواكب مستجدّاته، فالخطاب أداة الاتصال المعرفي والحضاري ما بين أبناء الأمّة نفسها، وبينها وبين الأمم الأخرى، وهذه الأداة هي مقياس نضج الأمة ومعيار مقدرتها على ممارسة ذلك التبليغ والتواصل والحوار، وعلى إحلال نفسها المكانة اللائقة بها بين الأمم، ومن ثم نجاحها في مختلف المسائل والشؤون( ).
ولاشك أن الخطاب الدعوي المستند إلى الكتاب والسنة هو الذي كان وراء تحول المجتمع العربي من مجتمع جاهلي إلى مجتمع متحضر، قاد البشرية ردحاً من الزمن؛ لما يتميّز به الخطاب من شموليّة وواقعيّة وتكامل.

ظلّ الخطاب الدعوي القرآني فعالاً، قادراً على تعبئة الجماهير، ودفعها إلى البذل بالنفس والمال والوقت، إلى أن اختلطت المفاهيم، وتغير الفكر الإسلامي، وبدأ العدّ التنازلي للحضارة الإسلامية، فتغيّر تبعاً لذلك الخطاب الدعوي، وأصبح مطبوعاً بسمات التخلف الذي يعيشه المجتمع الإسلامي( ).

وعلى الرغم من أن لكل مجتمع  خصوصياته الاجتماعية والثقافية؛ فإنّ الثوابت التي تربط بين الأمة الإسلامية الواحدة لا تتغيّر ولا تتبدّل مهما تغير الزمان والمكان. إذن، من الطبيعي أن يتأثّر مجتمع غرب أفريقيا بما يدور حوله من التحديات والأزمات نتيجة الظروف المرحلية التي تعيشها الأمة.

إن واقع الخطاب الدعوي في غرب أفريقيا يشير إلى عدّة ملاحظات متعلقة بالمنهج والأسلوب تعيق العمل الإسلامي في المنطقة، وهي تتفاوت حسب البيئات والدول والمدن، من حيث القوة والضعف، والأسباب والمظاهر والأشخاص، لكن لا تكاد تخلو بيئة من معظمها، ومن مظاهر تلك الأزمات ما سنعرضه في النقاط الآتية:

أولا: الفهم الضيّق للإسلام:

يلاحظ على بعض الدعاة في غرب أفريقيا قصور فهمهم لرسالة الإسلام، حيث إن الإسلام عندهم يتركّز على العبادات والفرائض فحسب، دون النظر إلى شمولية الإسلام واحتوائه للمنهج الشامل والكامل للحياة بكل جوانبها، من عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق وسياسة واقتصاد واجتماع وتشريع وإعلام وغير ذلك مما يمسّ حياة المسلم. إن هذه الرؤية لا تكاد تخلو من الضعف والسطحية في إدراك وفهم أبعاد رسالة الإسلام، ذلك أن شمولية الإسلام تمتدّ لما هو أبعد بكثير من هذا الفهم الجزئي، وتتسع لما هو أعمق من هذه الرؤية غير المتكاملة، فهي تعني الشمولية بكافة أبعادها، الأمر الذي يستدعي من الدعاة وهم يصوغون خطابهم الدعوي، الاستفادة من هذه الميزة العظيمة. وهذا الحصر الضيق للإسلام يعتبر تجنياً على الدعوة الإسلامية في المنطقة، "إذ لا يمكن أن تؤتي ثمارها إذا ما حوصرت في زنزانة المبادئ الأوّليّة التي تفهم بالضّرورة من قبل المسلم، وحتى غير المسلم في بعض الأحيان"( ).
وقد اتبع هذا الفهم الضيق، قصور في الخطاب الدعوي، حيث افتقد أثره وفاعليته في ملامسة نبض حياة الناس ومعالجة قضاياهم الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية.

ولعل الجدل الذي احتدم بين الدعاة في نيجيريا حول شرعية المشاركة السياسية للدعاة يعزز ما أشرنا إليه. فقد برز الخلاف وساد الانقسام حول القضية، فهناك من يحثّ على ضرورة اختراق مجال العمل السياسي ولا يرى بأساً فيه، بينما ترتفع أصوات أخرى ترفض الخوض في السياسة بل تناول قضاياها، بدعوى الحفاظ على كرامة الدعاة وقدسيّة العمل الدعوي( ).  يحتدم هذا الجدل في الوقت الذي يخترق رجال الدين المسيحي هذا المجال بقوة، وتبوّؤوا الصدارة في الخريطة السياسية، رغم وضوح الحقيقة أن الإسلام دين ودولة، وليس علاقة بين العبد وربه فحسب، ولا صلة له بالسياسة والحكم. كما لا يمكن أن يعالج مشكلة انعدام العناصر الفاهمة والمتفهّمة لحقائق الإسلام في تمثيل المسلمين في المناصب التي يشكون منها منذ زمن بعيد في أفريقيا؛ إلا بالمشاركة السياسية الفاعلة للدعاة( ).  فالواجب على الدعاة، ألاّ يدعوا أمور السياسة للعلمانيين وغيرهم ممن يكرهون الإسلام، أو يجهلونه، أولا يهمهم أمره، ومن الخطورة أن يترك  أمر السياسة لهؤلاء وحدهم وهم الذين بيدهم توجيه أزمة التعليم والإعلام والثقافة وسائر نواحي الحياة( ).

إن تجاهل شمولية الإسلام لدى الدعاة في غرب أفريقيا لجميع شؤون الحياة؛ أوجد نظرة سلبية تجاه بعض القضايا في حياة المسلم الأفريقي الغربي، حيث لم يتجاوز نشاط الدعاة الخطب والمواعظ الدينية في المساجد ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية( )، وفي المناسبات الاجتماعية. وهذا ليس تقليلا من نفع هذه الدوائر وخيريّتها، لكن المعطّيات الواقعية تدفع وبإلحاح للبحث عن وسائل جديدة تناسب طبيعة هذا العصر، وتتفاعل مع تطوراته ومستجداته.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire