samedi 26 mars 2011

دور الطّرق الصّوفية في نشر الإسلام في المنطقة3

يصعب على الباحث في تاريخ الدعوة الإسلامية في أفريقيا بعامة، وفي منطقة غرب أفريقيا بخاصة، أن يتحدث عن عوامل انتشارها دون التطرق إلى الدور المهم الذي أدته الطرق الصوفية، ذلك أن الصوفيين اتخذوا أسلوباً مغايراً لسابقيهم في الدعوة، وفي التعامل مع السكان المحلّيين، فكانوا في أغلب الحالات جنودا مجاهدين، لم ينطووا تحت لواء دولة معينة، ولا في جيش نظام معين، فانتشر الإسلام على أيديهم بالشّكل الطّواعي، حيث كان الاعتناق للإسلام يتم بواسطة تأثُّر المهتدين بحال ومكانة الصوفيين، وببساطتهم واختلاطهم بالطبقات الشعبية المختلفة، وتعايشهم بين العامّة، إضافة إلى اتّصاف شيوخها بالتقوى والورع والصلاح، كما أن أصحاب هذه الطرق كانوا يقدمون خدمات اجتماعية، وألواناً من البر والإحسان والمواساة والمؤاخاة مما جعل الأفارقة يعتنقون الإسلام ويدعون إليه.
لهذا فإن رجال الطرق الصوفية وجدوا إقبالاً كبيراً في مجتمع غرب أفريقيا، مما ساعدهم على أداء دورهم بكل حرية.

"ومما يميّز رجال الطرق الصوفية عن التجّار والدعاة أنّهم يميلون إلى الإقامة في القرى والنجوع، بينما يميل التّجار إلى الاستقرار بالمدن، وإذا كان التّجار يسعون إلى الربح المادي؛ فإن رجال الطرق الصوفيين لا يكترثون بالمال، ولا يسعون إلا لما يسدّ رمقهم ويكفيهم ذلّ السؤال. من هنا وصف المريدون بالفقراء". "وإذا كان نشاط المهاجر أو التاجر يتطلب أن يكون بالنهار؛ فإن نشاط رجال الطرق الصوفية يكون بالليل" والنهار أيضاً.
وكان نشاط رجال الطرق الصوفية ملحوظا وعميقا نظرا لتجردهم التام بالدعوة، وعليه وصفهم أحد الباحثين بالقول: "وقد قوي نفوذ رجال الطرق الصوفية حتى أصبح لكل شيخ أتباع ومريدون يطيعونه طاعة عمياء ويمتثلون لأوامره ويقدرونه حق تقديره، ويدعمونه مادياً حتى أصبح شيوخ الصوفية لهم القدرة الكافية لتوسيع دائرة نفوذهم، ولتأسيس المدارس والمساجد واستقطاب مزيد من العناصر الموالية لهم".

ومن أهم الطرق الصوفية التي أدت دوراً ريادياً في نشر الدعوة الإسلامية، القادرية: وهي أولى الطرق الصوفية التي وفدت إلى أفريقيا، أسسها عبد القادر الجيلاني في العراق خلال القرن السادس الهجري، والثاني عشر الميلادي، وامتدت في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي إلى غرب أفريقيا على يد «الشيخ سيدي أحمد البكاي الكونتي» ، ثم انتشرت لتشمل غرب أفريقيا. والتيجانية من الطرق الصوفية التي كان لها دور بارز في نشر الإسلام، وقد تأسست في القرن الحادي عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي على يد الشيخ أحمد بن محمد التيجاني، واستقر به المقام في المغرب حيث نشر طريقته بين أهل المغرب، وانتشرت على يد أتباعه عبر الصحراء إلى موريتانيا، ثم إلى بلاد غرب أفريقيا.
هذه صورة التي سقناها عن دور الطرق الصوفية في مجال الدعوة الإسلامية تكشف عن الخدمات الجليلة التي أداها أولئك الصوفيون للإسلام في غرب أفريقيا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire